قصة الرجل الشجاع

لطيفة بَجو
نشرت منذ 3 أسابيع يوم 30 سبتمبر, 2024
بواسطة لطيفة بَجو
قصة الرجل الشجاع
قصة الرجل الشجاع

قصة الرجل الشجاع من قصص كان يا ما كان.

يحكى أنه في قريةٍ بعيدةٍ تقع بين جبالٍ عاليةٍ ووعرةٍ يصعب الوصول إليها، كان يعيش هناك رجلٌ يدعى بسّام.

عرف بسّام بين أهل قريته بالتواضع وبصَمته الدائم. لم يعره أحدٌ قط انتباهًا ولا اهتمامًا بشخصه، بل على العكس، كان الجميع ينظرون إليه على أنه رجلُ بسيطُ لا يملك من الشجاعة أو الحكمة ما يؤهله للقيام بأي عمل يذكر، أو لخوض مغامرةٍ كغيره من الشباب في مثل سنه.

وبالرغم من كل ذلك، فإن بسّام لم يكن ليحمل كرهًا ولا ضغينةً في قلبه اتجاه سكان قريته، بل كان داخله شيء مختلفٌ، شيءٌ ما لم يدركه أحدٌ.

بداية المغامرة

ذات يوم، استفاق أهل القرية على خبر وجود كنزٍ عظيمٍ قديمٍ مدفونٍ في مكان ما في أعماق الجبال المحيطة، لكن المشكل كان هو صعوبة الوصول إليه، إذ كانت الطرق محفوفة بالمخاطر، وبالتالي، فإن كل من يغامر بالذهاب قد يفقد حياته.

انتشر الحديث أيضا أن الطريق وسط الجبال مليئةٌ بالوحوش والأفخاخ المميتة، لذلك لم يفكر أحد من شباب القرية من قبل في جلب الكنز، ولم يجرؤوا حتى على محاولة ذلك. مرات عديدة تحمس بعض الشباب الأقوياء في القرية للبحث عن الكنز خصوصا وأن بفضله كان السكان سيعيشون حياة الرفاهيةِ والغنى، لكن سرعان ما كانوا يتراجعون عن الفكرة.

سمع بسّام كغيره بالخبر، فتحمس. ولما علم سكان القريةِ بقراره، احتقروه وضحكوا منه. ورغم تضايقه وإحساسِه بالإحباطِ بسبب مضايقاتِ الآخرين له وتهكمهم منه، إلا أنه شعر وكأن نداء من أعماقه يدعوه لخوضِ هذه المغامرة. طبعا، لم يكن بسّام أبدا يفكر في الكنزِ كغيره، وإنما كانت غايته هي إثبات نفسه وتحقيق ذاته، والنجاح في ما فشل فيه الآخرون. لذلك، فقد اتخذ قراره بخوضِ المغامرةِ وحده، ودون دعمٍ من أحد.

اقرأ أيضا…

الدمام، معلومات شاملة وحصرية لم تكن تعرفها

حساب الطالع وأسرار الأبراج 12

قصص عالمية

الرجل الشجاع عبر الجبال

انطلق بسّام ، الرجل الشجاع، في رحلته متجهًا نحو الجبالِ المحيطةِ بالقريةِ. لقد كانت الرحلةُ شاقةً لأن الجبال وعرةٌ والمسالكُ خطيرةٌ. لكن بطلنا كان عاقدَ العزم على المضي قدمًا وعدمِ التراجع مهما كلفه الأمر. ومع كل خطوةٍ، كان يشعر بثقلِ التحدي، لكنه لم يكن يريد التراجع، ولم يكن معه سوى خنجر بسيط وزاده القليل، لكن عزيمته كانت قويةً بما يكفي لتخطي كل العقبات.

في أول ليلةٍ، وبينما كان بسّام داخل كهف صغير لجأ إليه، إذا بمجموعةٍ من الذئابِ الجائعةِ تهاجمه. لقد كانت المعركةُ غير متكافئة، لكن بسّام تصرف كالرجل الشجاع المقدام، واستخدم ذكاءه وسرعته لتجنب مخالبهم القاتلة. لم يكن لديه خيار سوى القتال بشراسةٍ، وفي النهاية استطاع التخلص منهم بفضل شجاعته ومهارته.

الرجل الشجاع والوحوش

مرت الأيام، واستمر بسّام في رحلته العجيبة والمحفوفةِ بالصعوباتِ والمخاطرِ. كان قد وصل إلى وادٍ ضيقٍ تحيط به أسوارٌ وجدرانٌ شاهقةٌ، وكان على بسام المرور من خلاله للوصول إلى الكنز.

وهو يقطع الوادي، اضطر بسّام إلى القتال ضد مخلوقٍ أسطوري غريبٍ، وحشٌ عملاقٌ لم يرَ مثله من قبل. كانت مهمته حراسةُ الطريق المؤدي إلى الكنز، لا سيما وأنها كانت الطريقُ الوحيدةُ.

فكر الرجل الشجاع أن النزال مع المخلوق لا هروب منه، فتسلح بعزيمته التي ترافقه منذ بداية المغامرة. لم يخفْ بسّام ولم يتراجعْ عند رؤيته الوحش، وبدلاً من ذلك، استعد لمواجهته وقتله. كان يعلم أن المعركة ستكون شرسةً وطويلةً. لذلك، استخدم كل ما تعلمه طوال حياته من فنونَ قتاليةٍ وخدعٍ. ضرب وصد هجومات عدوه، كان يحاول التحرك بسرعة لتجنب هجمات الوحش. طبعا، لم يكنِ الأمر سهلاً أبدا، لكنه كان مسلحا بصبره وإصراره.

دامت المعركة بين الرجل الشجاع والوحش طويلا، وفي النهاية، استطاع بسام أن يغلب عدوه بعدما باغته بضربةٍ أردته قتيلا… وأخيرا سقط الوحش.

طريق الكنز
طريق الكنز

الرجل الشجاع والكنز

منح بسّام نفسه قسطًا من الراحة بعدما قتل الوحش، قبل أن يواصل في اليوم التالي طريقه في اتجاه مكان الكنز.

اندهش بسّام عندما لاحظ أنه كلما اقترب من هدفه، كانت الطريق تتغير أمامه، إذ بعد كل الصخورِ والوديانِ والمنعرجاتِ التي قطعها، أصبح يرى أمامه رخامًا ناعمًا، ولم تعد وعرة أبدا، وبالتالي فقد استطاع التقدم وقطع ما تبقى له منها في وقتٍ قصيرٍ.

وكم كانت فرحته كبيرةً عندما لاحتْ أمامه بوابة كبيرة حجرية وضخمة، رأى عليها نقوشًا وزخرفات جميلة للغاية. فقد كانت هي المدخل إلى الكنز الذي جاء يبحث عنه الرجل الشجاع.

لم يتردد بسّام في فتح البوابة، بل إنه دفعها وكله حماسٌ لاكتشاف ما وراءها من مفاجآتٍ. لما دخل بسام المكان، وجد نفسه في غرفةٍ كبيرةٍ. غير أن شيئًا آخر لفت انتباهه؛ لم يكن أبدا الستائر الحريرية على النوافذ، ولا المفروشات الراقية التي وجدت هناك. لقد تسمر نظر بسّام على كتابٍ قديمٍ موضوعٍ على منصةٍ حجريةٍ مرتفعةٍ وسط الغرفة.

اقترب بسّام بكل حذرٍ، مد يده ليفتح الكتابَ وكلّه رغبةٌ في معرفة محتواه. بدأ يقلب صفحاته واحدةً تلو الأخرى، فإذا بها تضم حكمًا ونصائحَ حول الإقدامِ والشجاعةِ والحياةِ بصفةٍ عامةٍ، كتبت بلغةٍ قديمةٍ.

لم يحتج بسّام لوقتٍ طويلٍ حتى يفهم بأن الكنز الحقيقي الذي خاطر من أجله وغامر بحياته للعثورٍ عليه لم يكنْ لا ذهبًا ولا فضةً ولا حليًا ولا مجوهراتٍ، بل هو كل المعرفةِ التي حصل عليها خلال هذه الرحلة وكل الحكمةِ التي تعلمها.

فرح بسّام كثيرا، خصوصا وأنه لم يكن هو الآخر يبحث عن الكنز حتى يصبح غنيًّا أو ثريا، وإنما كان هدفه هو مساعدة أهل قريته، من جهةٍ، وأن يبرهن لنفسه وللآخرين أنه قادر ٌعلى النجاح في ما فشل فيه الآخرون، وأن باستطاعته تحقيق ما اعتبروه مستحيلاً.

العودةُ إلى القرية

حمل بسّام الكتاب معه، وطفق راجعًا إلى قريته. كانت طريق العودة طبعا أقل خطورةً مما الذهاب لعدم وجود الوحش المفترس. كان يحس بالحماسِ والشجاعةِ أكثر فأكثر كلما اقترب من قريته.

بعد أيامٍ، وصل إلى القرية، أمام اندهاش الأهالي عندما رأوه يعود سالمًا. فهم لم يتوقعوا أبدا أن ينجح بسّام في المهمة.

لم تخطر ببال أحدٍ بأن بسّام الصامت، والخائف، والخجول سيتغلب على الوحشِ الخطيرِ ويعودُ للقرية بالكنز الثمين، كما بم يفكر بسام أبدا أن الجميع سيلقبونه بالرجل الشجاع .

لقد كانوا يحسبونه سيهلك في الجبال أو أن الوحوشَ الضاريةَ ستقتله في البريةِ. لكنه خيب كل ذلك، ووقف أمامهم منتصبًا وبكل حماس، وحكى لهم عن مغامرته كبطل شجاع، عاد من سفر طويلٍ وشاقٍ لم يجرؤ أحدٌ عليه.

نهايةُ مغامرة الرجل الشجاع

وأخيرا عاد بسّام، ليجد الجميع في استقباله استقبالَ الأبطالِ والعظماءِ أو من كان في حربٍ للدفاع عن القبيلة. بعد هذه الحادثة، استحق بسّام احترام جميع أهل قريته، كبارًا وصغارًا.

لقد أصبحوا ينظرون إليه بإعجابٍ وتقديرٍ. ومن مغامرة بسّام، تعلموا درسا مهمًا، ألا وهو أن الرجل الشجاع لا يعرف بعضلاتٍ مفتولةٍ أو في تفوهه بالكلام الكبير والكثير، بل في إصرارِه، وفي الفعلِ وليس في القولِ فقط.

مرتِ السنوات، وصار بسّام قائدَ وحكيمَ القرية التي يلجأ إليه الجميعُ لطلب النصيحةِ في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، ويستشيرونه في كل أمورِ الحياة.

أما بالنسبة للكنز الذي جلب معه من المغامرةِ، فقد أصبح مصدر إلهامِ القريةِ بأكملها، وصار السكان يتعلمون منه كيف يتغلبون على مخاوفهم وكيف يصيرون شجعانًا ومقدامين.

كما لقنوا الصغار منه كيف يواجهون كل المصاعبِ التي قد تعترضهم خلال الحياة وسبل التغلبِ عليها. لقد داعت قصّة بسام  الرجل الشجاع بين القرى المجاورة، وأصبح مشهورا يعرفه القريب والبعيد.

لم يبحث بسّام عن المجد ولا على الشهرة، ولكنه وجده بفضل الشجاعة التي كان يتحلى بها، وكذلك بعزمه وتصميمه.

لقد انتهت مغامرة رجل شجاع، بسّام نهايةً سعيدةً، ليبدأ فصلا جديدًا من حياته، حياة البطل الذي أثبت للجميع وللعالم برمته بأنه لا وجود للمستحيل عندما نتحلى بالإرادة الصادقة والشجاعة الحقيقية.

  • خلاصة القصة: بسام، رجل شجاع، شاب بسيط الصامت، خاض مغامرة من أجل جلب كنز، فأصبح رمز الشجاعة والإصرار بالنسبة لأهل قريته، بل وفي قلوب كل من سمع قصته. أثبت للجميع أن الكنز الحقيقي ليس الذهب والمجوهرات، بل هو المعرفة والحكمة والشجاعة التي توجد داخل كل فرد منا. بعدها، لم يعد بسام ذلك الشخص الذي لا يكاد يُذكر، بل بطلاً أسطورياً، يلهم الأجيال ويحفزهم لتحقيق أحلامهم مهما كانت المصاعب أمامهم.