الملك الضليل ( امرؤ القيس) حياته وشعره وشرح أبيات من معلقته

صفاء القاضي
نشرت منذ 4 سنوات يوم 14 سبتمبر, 2020
بواسطة صفاء القاضيتعديل admin
الملك الضليل ( امرؤ القيس) حياته وشعره وشرح أبيات من معلقته

ولد امرؤ القيس جندح بن حجر بن الحارث الكندي في نجد عام ٥٠٠ ميلادي، أربعون عاما هي عمر ذلك الشاعر الشهير،
حيث أنه توفي في 540 ميلادي في أنقرة.
الملك الضليل هو شاعر وسياسي وهو من أعلام الشعر الجاهلي حيث يعتبر شعر امرؤ القيس نقله للشعر العربي،
امرؤ القيس شاعر من أعلام المعلقات حيث تعد معلقته من أشهر وأجود المعلقات معلقة
(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل)
ونتابع في هذا المقال سيرة امرئ القيس [1]حياته وشعره فتابعونا.

نشأة امرئ القيس

نشأ امرؤ القيس في قبيلة كنده بنجد، وقد كان أبوه ملك بني أسد وغطفان، وأمه هي فاطمة بنت ربيعة التغلبية
ورغم تلك النشأة المرموقة إلا أن شاعرنا كان حظه عثرا، فلم يتمتع بملك أبيه، ولا بتلك النشأة الرفيعة المقام فقد كان
امرؤ القيس ذو طباع ماجنة، يميل إلى الحرية واذدراء التقاليد، وكان يرتاد كل ما يعن له دون تردد أو خوف ولذلك جاء شعره

ماجنا وجديدا وقويا أيضا، ذو جماليات متفردة فهي ذات ابتكار وحداثة فلم يقلد بل ابتكر واستحدث حتى جاء شعره على نهج
جديد من التشبيهات والاستعارات، وجماليات كلها إبداعية من وحي خياله وجموح تفرده، لقد كان لأخواله التغلبيين أثرا بالغا في نشأته،
فخاله الشاعر الشهير (المهلهل التغلبي) ، سمع الشعر منه منذ الصغر وتعلمه ونشأ ببيت يموج شعرا، كان امرؤ القيس ماجنا
يجري وراء نزواته وأهوائه متناسيا وضعه الملكي وظروف أسرته الراقية، فغضب عليه والده وأرسله إلى حضرموت وهو موطنهم الأصلى،
وكان امرؤ القيس آنذاك في العشرين من عمره، ثم قضى خمس سنوات في قبيلة والده بحضرموت

وبعدها أصبح يسير هائما في البلاد والقبائل يقيم حيث يكون اللهو والمجون و ينتقل من مكان لمكان، باحثا عن
المرح واللهو والنساء وشرب الخمر عاش حياته لا يبالي بل جعل راية المجون رايته ووجهة الفحش وجهته واشتهر
سرد قصصه الغرامية بكل ابتذال ودون وضع حدود لذلك التحرر على كل التقاليد والأعراف، وعرف امرؤ القيس
في تلك الفترة من حياته بأنه متسكعا بين القبائل باحثا عن المتعة والتحرر، حتى ولو كان عن طريق الهجمات على القبائل أو سبي النساء.

نهاية فترة العبث في حياة  امرئ القيس

انتهت فترة العبث والمجون في حياة الشاعر الماجن والملك الضليل امرؤ القيس بتلك الحادثة الشهيرة التي قلبت حياته رأسا إلى عقب، بل وأيضا قلبت شكل حياته من المجون والعبث واللهو والنساء والخمر إلى الحروب والثأر  والبحث عن رحلة المتاعب والأحزان، تلك الحادثة هي مقتل والده لقد ثار بنو أسد على والده وقتلوه، وعرف امرؤ القيس ذلك أثناء ما كان يجلس في المجالس ويتناول الخمر، فقال قولته المشهورة:[ رحم الله أبي ضيعني صغيرا، وحملني دمه كبيرا، لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر].

الملك الضليل عاشقا وشاعرا

أحب امرؤ القيس فاطمة بنت عمه وطلبها كثيرا لكنها رفضته وقال فيها هذه القصيدة  :

أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل

وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

وإن تك قد ساءتك مني خليقةٌ

فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

أغرك مني أن حبك قاتلي

وأنك مهما تأمري القلب يفعل

وأنك قسمت الفؤاد فنصفه

قتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبل

وما ذرفت عيناك إلا لتضربي

بسهميك في أعشار قلب مقتل

وبيضة خدرٍ لا يرام خباؤها

تمتعت من لهو بها غير معجل

تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً

علي حراصاً لو يسرون مقتلي

إذا ما الثريا في السماء تعرضت

تعرض أثناء الوشاح المفضل

فجئت، وقد نضت لنوم ثيابها

لدى الستر إلا لبسة المتفضل

فقالت يمين الله، ما لك حيلةٌ

وما إن أرى عنك الغواية تنجلي

خرجت بها أمشي تجر وراءنا

على أثرينا ذيل مرطٍ مرحل

ولقد امتزجت الأخبار عن حياة امرئ القيس بالأساطير الغريبة والكثيرة لكن المعروف عن قصته مع ابنة عمه فاطمة تلك الحادثة التي سميت يوم جلجل ذلك اليوم خرجت فيه القبيلة عن بكرة أبيها إلى الغدير، وتأخر امرؤ القيس في مشيته خلف  مسير القبيلة ليصل إلى ركب النساء حيث وجدهن يتفقن على نزول الغدير والتمتع بالسباحة في الماء البارد، حيث يخلعن ثيابهن ونزلنا الماء وهنا ظهر امرؤ القيس الذي سرق ثيابهن واحتجزها، ثم طلب منهن الظهور عاريات أمامه لأخذ الثياب وهنا اضطررن إلى الخروج واحدة تلو الأخرى ما عدا فاطمة التي رفضت واحتقرت ابن عمها وكرهته وطلبت منه ملابسها لكنه لم يستجب إلى توسلاتها، فخرجت ولبست وفي هذا اليوم ذبح الشاعر الماجن بعيره للعذارى وقام بشويه لهن وأخذن يأكلن ويلهون ويشربن الخمر ما عدا حبيبته التي لم يرق لها مجون امرؤ القيس ولم يستطع الوصول إلى قلبها.

الملك الضليل يثأر لأبيه مطلقا قصيدة في الفخر

استطاع امرؤالقيس بمعاونة قومه من بني حمير ومذحج باليمن أن يجمع جيش وينتقم من بني أسد وانتقم من الذي قتل أبيه وهو سيد بني أسد حينها عمرو بن الأشقر، وعندما ثأر لأبيه وبردت نار الثأر في قلبه أنشد قائلا :

قولا لدودان نجد عبيد العصا ما غركم بالأسد الباسل
قد قرت العينان من مالك ومن بني عمرو ومن كاهل
ومن بني غنم بن دودان إذ نقذف أعلاهم على السافل
نطعنهم سلكى ومخلوجة لفتك لأمين على نابل
إذ هن أقساط كرجل الدبى أو كقطا كاظمة الناهل
حتى تركناهم لدى معرك أرجلهم كالخشب السائل
حلت لي الخمر وكنت أمرأ عن شربها في شغل شاغل
فاليوم أسقى غير مستحقب إثما من الله ولا واغل

الملك الضليل وضياع سنين عمره في البلاد

لم يعش امرؤ القيس طويلا فقد مات في الأربعين من عمره،  لكن عمره كان كثير الأحزان والأحداث متقد المشاعر، لقد طاف جميع القبائل وسافر إلى كل البلاد حتى وصل إلى القسطنطينية، وبعد حياة صاخبة من المجون والحروب،  من الجد والهزل، من الحزن والعبث،  من العشق والجشع،   مات امرؤ القيس في أنقرة  متأثرا بمرض الجدري،  تاركا لنا إرثا  كبيرا من القصائد و نتاجا زاخرا من الأدب العربي الجاهلي الذي سبق عصره وتفرد في اتجاهه  ذو الطابع المتحرر يميل إلى العشق والفخر بفعل أحداث الحياة في الشاعر الذي ضاع  ملكه فلم يرثه وضاع عمره في البحث والجري وراء الأحزان، لكنه بحق هو العاشق الحالم والذي من خلال أبياته تبلورت وتكونت مدرسة شعرية جريئة أقبل عليها الدارسين من العرب والمستشرقين في خلال القرن التاسع عشر في كل البلاد العربية وفي ألمانيا أيضا واهتم بدراستها كل من يهتم بمدارس الشعر القديم.

ما هي المعلقات؟

المعلقات هي قصائد من أعظم ما قال العرب في الشعر، لقد أطلق عليها لفظ معلقات لأنها تعلق في ذهن القارئ ولأنها تعلق في العقول والأذهان، إن المعلقات هي عبارة عن قصائد قديمة للشعراء في العصر الجاهلي قام العرب بكتابتها وتعليقها على جدار الكعبة لما لها من مكانة عند فصحاء   العرب،  فهي نتاج العقل الشعري العربي المبدع وهي سبع معلقات :

  1. قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (امرؤ  القيس).
  2. لخولة أطلال ببرقة ثهمد  (طرفة بن العبد).
  3.  آذنتنا ببينها أسماء (الحارث بن حلزة).
  4. أمن أم أوفى دمنة لم تكلم (زهير بن أبي سلمى).
  5.  ألا هبي بصحنك فاصبحينا (عمرو بن كلثوم).
  6. هل غادر الشعراء من متردم ( عنترة بن شداد).
  7. عفت الديار محلها فمقامها (لبيد بن ربيعة).

تلك المعلقات الشهيرة هي الفصاحة بعينها لمن أراد أن يتعلم العربية،  و لمن أراد أن يتعلم الشعر، فهي البلاغة والفصاحة والإبداع، عكف على  دراستها كل العقول التي بحثت عن اللغة العربية وجمال وفخامة اللفظ والمعنى.

وليل كموج البحر أرخى سدوله

ولَيْلٍ كموجِ البحر أرخى سُدوُلَهُ علـيَّ بأنواع الهموم لِيَبْتَـلي

فقلتُ له لمـا تَمَـطّى بـجَوزِهِ وَأردَفَ أعـجازاً ونـاءَ بِكَلْـكَلِ

ألا أيها الليلُ الطويـلُ ألا أنْجَلِ بصبح ومـا الإصْبَاحُ مِنـْكَ بِأَمْثَلِ

فيالَكَ من ليل كأن نُـجُومَهُ بكل مُغَارِ الـفَتـْلِ شـدة بِيَذْبُلِ

 

تلك الأبيات الشهيرة جدا هي من معلقة امرئ القيس الشهيرة قفا نبك وهي من أروع الأبيات في وصف المشاعر تطرق القلب والوجدان حيث وصف الليل كأنه موج البحر الذي يغطيه بأنواع الهموم والأحزان.

وقد جاءت أبيات المعلقة مقسمة الأغراض حيث كانت القصيدة الجاهلية تذخر بالأغراض المتنوعة ولم يكن لها هدفا واحدا بل تتميز بالمقدمة الطللية والبكاء على الأطلال ثم تتوالى بعدها عدة أغراض تختلف ما بين الوصف والفخر والمدح وغيرها ولقد  كانت معلقة امرؤ القيس على النحو الآتي:

  • ٩أبيات ليتذكر محبوبته وعشقه لها وصدق مشاعره.
  • ٢١بيتا للحديث عن بطولاته والفخر بها.
  • ١٣بيتاوصف جمال المرأة.
  • ٥أبيات في وصف الليل وطوله.
  • ١٨بيتا في وصف السماء بما فيها من سحب وبرق ورعد ومطر.
  • ١٢بيتا في وصف أمور متفرقة.

نص معلقة امرؤ القيس (قفا نبك)

معلقة امرؤ القيس قفا نبك من ذكرى حبيب هي قصيدة على بحر الطويل، مكونة من٨١  بيتا وبعضهم قال إنها ٩٢بيتا فقد اختلف الرواة في عدد أبياتها، تعرضت القصيدة لحوادث في حياة امرؤ القيس،  والغرض الأساسى منها الغزل، لكنها تشمل العديد من الأبيات التي تتعرض للوقوف بالأطلال كعادة  القصائد الجاهلية القديمة إن المقدمة الطللية كانت جزء من القصيدة الجاهلية القديمة لا بد أن تبدأ به القصيدة،  مهما كان غرضها  وتعرض امرؤ القيس يصف الليل والفرس والمرأة ورحلاته وغيرها،  نص معلقة امرؤ القيس ( قفا نبك) :

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ           بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْمَلِ

فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لمْ يَعْفُ رَسْمُها           لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ

تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَا             وَقِيْعَانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ

كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا          لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ

وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُمُ       يَقُوْلُوْنَ: لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ

وإِنَّ شِفائِيَ عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ             فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ؟

كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا         وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ

إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا       نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ

فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً          عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي

 وصف يوم دَارَةِ جُلْجُلِ

ألَا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ         وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ

ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي        فَيَا عَجَبًا مِنْ كورها المُتَحَمَّلِ

فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَا        وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ

ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ             فَقَالَتْ:لَكَ الوَيْلَاتُ!،إنَّكَ مُرْجِلِي

تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعًا:       عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ

فَقُلْتُ لَهَا:سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَه            ولَا تُبْعدِيْنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّلِ

فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ           فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ

إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ         بِشَقٍّ،وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ

ويَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَذَّرَتْ           عَلَيَّ، وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ

أفاطِمَ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ         وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَةٌ        فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ

أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي            وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ؟

وصف مغامراته الجريئة

وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إلَّا لِتَضْرِبِي             بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ

وبَيْضَةِ خِدْرٍ لَا يُرَامُ خِبَاؤُهَا         تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ

تَجَاوَزْتُ أحْرَاسًا إِلَيْهَا وَمَعْشَرًا            عَلَّي حِرَاصًا لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْتَلِي

إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ          تَعَرُّضَ أَثْنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ

فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا         لَدَى السِّتْرِ إلَّا لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ

فَقَالتْ:يَمِيْنَ اللهِ، مَا لَكَ حِيْلَةٌ،        وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِي

خَرَجْتُ بِهَا تمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا             عَلَى أَثَرَيْنا ذيل مِرْطٍ مُرَحَّلِ

 

فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى             بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ

هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رَأْسِهَا فَتَمَايَلَتْ            عَليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ

إذا التفتت نحوي تضوّع ريحُها            نسيمَ الصَّبا جاءت بريا القرنفُلِ

مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ          تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ

كَبِكْرِ المُقَانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْرَةٍ        غَذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ مُحَلَّلِ

تَصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أسِيْلٍ وَتَتَّقي        بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ

وجِيْدٍ كَجِيْدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ       إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلَا بِمُعَطَّلِ

وفَرْعٍ يَزِيْنُ المَتْنَ أسْوَدَ فَاحِمٍ        أثِيْثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ

غَدَاثِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُلا       تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ

وكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّرٍ             وسَاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ

وتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرَ شَثْنٍ كَأَنَّهُ             أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاويْكُ إِسْحِلِ

وصف جمال المحبوبة

تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَا        مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ

وَتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَا        نَؤُومُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ

إِلَى مِثْلِهَا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَةً        إِذَا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ

تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنْ الصِّبَا         ولَيْسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاكِ بِمُنْسَلِ

ألَّا رُبَّ خَصْمٍ فِيْكِ أَلْوَى رَدَدْتُهُ            نَصِيْحٍ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَلِ

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ           عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتَلِي

فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ            وأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ

ألَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألَا انْجَلِي             بِصُبْحٍ، وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَلِ

فَيَا لَكَ مَنْ لَيْلٍ كَأنَّ نُجُومَهُ           بكل مُغار الفتل شُدّت بيذبل

كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في مَصامِها       بِأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْدَل ِ

وَقَدْ أغْتَدِي والطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا             بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا             كَجُلْمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ

كَمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ             كَمَا زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بِالمُتَنَزَّلِ

مِسِحٍّ إِذَا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الوَنى          أَثَرْنَ الغُبَارَ بِالكَدِيْدِ المَرَكَّلِ

عَلَى الذبل جَيَّاشٍ كأنَّ اهْتِزَامَهُ             إِذَا جَاشَ فِيْهِ حَمْيُهُ غَلْيُ مِرْجَلِ

يزل الغُلَامُ الخِفَّ عَنْ صَهَوَاتِهِ            وَيُلْوِي بِأَثْوَابِ العَنِيْفِ المُثَقَّلِ

دَرِيْرٍ كَخُذْرُوفِ الوَلِيْدِ أمَرَّهُ          تقلب كَفَّيْهِ بِخَيْطٍ مُوَصَّلِ

لَهُ أيْطَلا ظَبْيٍ، وَسَاقَا نَعَامَةٍ         وإِرْخَاءُ سَرْحَانٍ، وَتَقْرِيْبُ تَتْفُلِ

كَأَنَّ عَلَى الكتفين مِنْهُ إِذَا انْتَحَى            مَدَاكُ عَرُوسٍ أَوْ صَلايَةَ حَنْظَلِ

وبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ ولِجَامُهُ           وَبَاتَ بِعَيْنِي قَائِمًا غَيْرَ مُرْسَلِ

فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ            عَذَارَى دَوَارٍ فِي مُلاءٍ مُذيَل

فَأَدْبَرْنَ كَالجِزْعِ المُفَصَّلِ بَيْنَهُ        بِجِيْدٍ مُعَمٍّ فِي العَشِيْرَةِ مُخْوِلِ

فَأَلْحَقَنَا بِالهَادِيَاتِ ودُوْنَهُ       جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تُزَيَّلِ

فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجَةٍ         دِرَاكًا، وَلَمْ يَنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَلِ

وَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِن بَيْنِ مُنْضِجٍ           صَفِيفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيْرٍ مُعَجَّلِ

ورُحْنَا وَراحَ الطَّرْفُ ينفض رأسه        مَتَى ما تَرَقَّ العَيْنُ فِيْهِ تَسَفَّلِ

كَأَنَّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بِنَحْرِهِ            عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بِشَيْبٍ مُرَجَّلِ

 أبيات توضح تفوقه في غرض الوصف

وأنت إِذَا اسْتَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ        بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْضِ لَيْسَ بِأَعْزَلِ

أحارِ تَرَى بَرْقًا أُرِيْكَ وَمِيْضَهُ       كَلَمْعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ

يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيْحُ رَاهِبٍ            أَمان السَّلِيْطَ بالذُّبَالِ المُفَتَّلِ

قَعَدْتُ لَهُ وصُحْبَتِي بَيْنَ حامر       وبَيْنَ إكرام، بُعْدَمَا مُتَأَمَّلِي

فأَضْحَى يَسُحُّ المَاءَ عن كل فيقةٍ           يَكُبُّ عَلَى الأذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ

وتَيْمَاءَ لَمْ يَتْرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْلَةٍ             وَلَا أُطُمًا إِلَّا مَشِيدًا بِجِنْدَلِ

كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ المُجَيْمِرِ غُدْوَةً             مِنَ السَّيْلِ وَالغُثّاءِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ

كَأَنَّ أبانًا فِي أفانين ودقه             كَبِيْرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ

وأَلْقَى بِصَحْرَاءِ الغَبيْطِ بَعَاعَهُ       نُزُوْلَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المحملِ

كَأَنَّ سباعًا فِيْهِ غَرْقَى غُديّة          بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أَنَابِيْشُ عَنْصُلِ

عَلَى قَطَنٍ، بِالشَّيْمِ، أَيْمَنُ صَوْبِهِ            وَأَيْسَرُهُ عَلَى السِّتَارِ فَيَذْبُل

وَأَلْقى بِبَيسانَ مَعَ الليلِ بَرْكَهُ         فَأَنْزَلَ مِنْهُ العُصْمَ مِنْ كُلِّ مَنْزِلِ

تأخذنا أجواء معلقة امرؤ القيس إلى أجواء العصر الجاهلي بتلك المقدمة الطللية الفخمة التي لا بد أن تكون ديباجة راقية لكل قصيدة في ذلك العصر،  وبها استطاع امرؤ القيس التقدم على كل شعراء عصره على وجه الإجماع، لنبوغ شعره النابع من أعماق مشاعره المتقدة، فقد جمع بين رقة اللفظ  وجزالة الصياغة والتراكيب، وبلاغة المعنى الجميل، تفنن في الوصف حتى تكاد تلمس ما وصفه، بكى على الطلول وأبكانا معه، إنه الشاعر الأصيل والملك الضليل امرؤ القيس.